لما بلغ سيدنا عيسى المسيح عليه السلام الثلاثين من عمره، أوحى الله تعالى إليه أن يدعو الناس إلى عبادة الله عز وجل، فخرج يجوب البلاد، ويجول في القرى، يدعو إلى الإسلام قائلا للناس: "أن اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وءامنوا بأني رسول الله إليكم"، فآمن به أول من ءامن اثنا عشر شخصا يسمون "الحواريين".
يروى أنه كان من أول معجزات سيدنا عيسى عليه السلام، أن والدته السيدة مريم عليها السلام دفعته مرات عديدة للقيام بأعمال شتى، وءاخر من دفعته إليهم كانوا جماعة صابغي الثياب يبيضونها ويلونونها، فأراد صاحب العمل السفر، فقال لسيدنا عيسى عليه السلام عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان، وقد علمتك الصبغة فاصبغ كل واحدة منها باللون الذي حددته لك ووضعت خيطا من اللون المطلوب عليها، فسخن سيدنا عيسى وعاء واحدا كبيرا ووضع فيه ألوانا عديدة، ثم وضع الثياب كلها في هذا الوعاء وقال كوني بإذن الله على ما أريده منك، فعاد صاحب العمل من السفر والثياب كلها في الوعاء، فلما رءاها دهش وقال لقد أفسدتها، فأخرج سيدنا عيسى ثوبا أحمر وثوبا أصفر وءاخر أخضر إلى غير ذلك مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغته، فعجب صاحب العمل وعلم أن ذلك من الله فآمنِ بسيدنا عيسى عليه السلام ودعا الناس إليه فآمنوا به، وكان هذا الرجل من جملة الحواريين الذين كانوا يشدون أزر سيدنا عيسى في دعوته إلى دين الله تعالى.
وتوالت المعجزات، فمر يوما بجماعة يصطادون السمك ورئيسهم يدعى "شمعون"، فقال لهم سيدنا عيسى: "ما تصنعون؟" قالوا: "نصيد السمك"، قال: "أفلا تمشون حتى نصيد الناس؟" أي لنهديهم إلى الإسلام، قالوا: "ومن أنت؟" فأجاب: "أنا عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله"، فسألوه دليلا يدلهم على صدقه في ما قال، وكان شمعون قد رمى بشبكتة في الماء تلك الليلة فما اصطاد شيئا، فأمره سيدنا عيسى عليه السلام بإلقاء شبكته مرة أخرى ودعا الله تعالى متضرعا إليه، فما هي إلا لحظات يسيرة حتى اجتمع في تلك الشبكة من السمك ما كادت تتمزق من كثرته، فاستعانوا بأهل سفينة أخرى وملأوا السفينتين من السمك، فعند ذلك ءامنوا به وانطلقوا معه، فصاروا من جملة الحواريين الذين كانوا يصطادون السمك، فلما ءامنوا بسيدنا عيسى عليه السلام صاروا يصطادون الناس ليهدوهم إلى دين الإسلام، وسموا بالحواريين لبياض ثيابهم وقيل بل لأنهم كانوا أنصار سيدنا عيسى عليه السلام وأعوانه المخلصين في محبته وطاعته وخدمته.
لم يكن اليهود بعيدين عن أخبار تلك المعجزات الباهرات التي كانت تظهر على سيدنا عيسى المسيح، وشعروا وكأن البساط يسحب من تحتهم وأنه يهدد كراسيهم ومناصبهم، فكم غروا أناسا وأضلوهم وحادوا بهم عن الطريق الحق لمآربهم الدنيئة الخبيثة، وها هو سيدنا عيسى الثابت القوي بالحجة والبرهان، يفضح أسرارهم، وينشر بين الناس مخازيهم، فأجمعوا أمرهم بينهم على محاربته أينما حل، وتكذيبه حيثما ذهب.