يظل المخ بالنسبة للعلماء هو الجوهرة الفاعلة التی تضیء أجسامنا بدبيب الحياة ولكنه يضرب ستاراً حديدياً بينه وبين العلماء فلا يبوح إلا بالقليل القليل من الأسرار التی أودعها الله فيه.
علما بإن اليأس والقنوط لا يتسرب قط إلی العلماء وتظل المحاولة سلاحهم فی الحياة لكشف ما هو فی حكم الغائب والمستور. من ذلك محاولة لمعرفة أی منطقة فی المخ تتأثر وتنشط حينما يأتی الإنسان سلوكاً معيناً.. إذا انفعل وثار أو إذا كذب أو إذا نطق بالصدق.. إذا عصر مخه ليصل إلی قرار سليم تجاه أی مشكلة فما هی المنطقة التی يعصرها فی مخه ليجد فيها الهداية نحو قرار سليم ينقذه من ورطة أو حتی يضع أقدامه بخطی ثابتة نحو تحقيق هدف ما فی حياته؟!!
المفاجأة المذهلة أن العلماء اكتشفوا هذه المنطقة وفتشوا فی آيات القرآن فوجدوها بنفس الصورة مذكورة فی آياته. لأن الأخلاقيات تتداعی يوماً بعد الآخر وتروح الضمائر فی غيبوبة طويلة فقد انتشر الكذب بين الناس وأصبح ظاهرة تشد انتباه العلماء فأثارت فيهم الكثير من التساؤلات منها ما هو طبيعة النشاط الذی يحدث فی مخ الإنسان حينما يكذب ويجاهد نفسه لإخفاء الحقيقة؟.. وهل هذا النشاط يماثل ما يحدث فی مخ الإنسان إذا كان يلتزم بالصدق ولا يكذب.
طور العلماء أجهزة الكشف عما يحدث فی ثنايا المخ وفی سنة 2003 توصلوا إلی جهاز دقيق يكشف لهم منطقة المخ المسئولة عن الكذب وتتبعوا ما يجری فی المخ لمحاولة اكتشاف ماذا يحدث فيه حينما يكابد الإنسان لإخفاء كذبه!. وبعد عدة تجارب مع عدد كبير من الكذابين اكتشف العلماء أن منطقة محددة من الدماغ مسئولة عن كل ذلك وهی منطقة أعلی مقدمة الدماغ!! فهی المسئولة بالفعل عن الكذب وفتش العلماء فی المراجع العلمية واللغوية فوجدوا أن هذا الجزء يسمی "ناصية الإنسان" طبقاً لما جاء فی قواميس اللغة العربية.
أن العرب وقت نزول القرآن كانوا يفهمون من كلمة الناصية أعلی مقدمة الرأس وحينما يقول "ناصية الإنسان" فإن العربی يقصد من ذلك اللفظ أنه مقدمة وأعلی الرأس وهكذا يكون القرآن الكريم أول كتاب تحدث عن هذه المنطقة فی مخ الإنسان
وتابع العالم البروفيسور "سكوت فارو" تجاربه والتقط صوراً لنفس المنطقة لعدد من البشر لا يكذبون فسجلت أجهزته نشاطاً فی نفس المكان الذی شهد نشاطاً لحظة الكذب ولكن هذا العالم سجل فارقاً فی النشاط فالكذاب يحتاج مجهوداً ليواری كذبه ويخرج من أی مطب قد يوضع فيه وهذا المجهود لا يتم إلا بطاقة أكبر من تلك التی يحتاجها الإنسان الصادق الواثق من نفسه!! وهكذا أصبح من الممكن معرفة الكاذب من الصادق بجهاز الكشف عن الحقيقة الذی يعمل بالرنين المغناطيسی.
وتابع العلماء أبحاثهم وتجاربهم علی هذه المنطقة فوجدوا أنفسهم أمام مفاجأة مثيرة.. هی أن الخالق العظيم خلق المخ علی أساس أنه صادق ولكن الإنسان يغير هذه المعالم بسلوكه فإن نسی القيم الرفيعة ولجأ إلی الكذب ظهر ذلك فی منطقة "ناصية الإنسان" وهكذا سجل العلماء فی أبحاثهم "أن الصدق هو النظام الافتراضی للدماغ".
وتابع العلماء رصد ما يحدث فی الدماغ أثناء السلوكيات المختلفة واختاروا فی هذه المرة "سلوك الخطأ" وتتبعوا عدداً من البشر يرتكبون الأخطاء وقاموا بمسح كل المخ فوجدوا نشاطاً ملحوظاً فی نفس المنطقة التی أسموها "ناصية الإنسان"!
وكرر العلماء تجاربهم وخرجوا فی النهاية بأن "ناصية الإنسان" هی منطقة فی المخ مسئولة عن معظم سلوكيات الإنسان من مشاعر وعواطف واتخاذ القرارات المهمة والتخطيط والعمل الابداعی وإيجاد الحلول لمشكلات الحياة!! وحتی المواقف الاندفاعية كالهجوم والهروب والضرب والكذب وغير ذلك.. باختصار ثبت للعلماء أن أی ضرر يحدث فی المنطقة الأمامية للإنسان تفقد الإنسان السيطرة علی السلوك بصفة عامة فإن هذه الناصية تتحكم فی كل ما نقوم به فی حياتنا من سلوكيات!. هذا ما وصل إليه العلماء فی دراسة شاملة نشرت فی مجلات علمية عالمية أعدها وجمع بياناتها المفكر المعروف "عبدالدايم الكحيل" الباحث فی الاعجاز العلمی.
المفاجأة المذهلة أن العلماء اكتشفوا هذه المنطقة(المخ) وفتشوا فی آيات القرآن فوجدوها بنفس الصورة مذكورة فی آياته .
هنا يطرح سؤال مهم نفسه: ذلك ما وصل إليه العلماء منذ أربعمائة سنة فقط.. لكن ماذا قال القرآن الكريم فی هذه القضايا المهمة: لقد قال تعالی عن أبی جهل لعنة الله عليه: "أرأيت الذی ينهی عبداً إذا صلی. أرأيت إن كان علی الهدی. أو أمر بالتقوی. أرأيت إن كذب وتولی. ألم يعلم بأن الله يری. كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية. ناصية كاذبة خاطئة" العلق: الآيات: 9:.16
لقد بحث معد هذه الدراسة عن معنی كلمة "الناصية" وكيف ومتی كان العرب يستخدمونها فوجد أن العرب كانوا يقولون "نصاه" أی قبض بناصيته وهی شعر الغرة أی شعر مقدمة وأعلی الرأس والمنتهی هو أعلی الواديين ونواصی الناس أی أشرافهم وأن العرب وقت نزول القرآن كانوا يفهمون من كلمة الناصية أعلی مقدمة الرأس وحينما يقول "ناصية الإنسان" فإن العربی يقصد من ذلك اللفظ أنه مقدمة وأعلی الرأس وهكذا يكون القرآن الكريم أول كتاب تحدث عن هذه المنطقة فی مخ الإنسان وعلاقتها بالكذب فقال "ناصية كاذبة" كما أكد القرآن أن الناصية مسئولة أيضاً عن ارتكاب الخطأ فی قول القرآن "ناصية كاذبة خاطئة".
وجاء فی القرآن الكريم أيضاً ما توصل إليه العلماء بعد ذلك.. يقول الله علی لسان سيدنا هود عليه السلام بعدما كذَّبه قومه فقال لهم: "إننی توكلت علی الله ربی وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربی علی صراط مستقيم" هود:.56 .
وقال الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) وهو يسلم أمره لله ويدعوه "ناصيتی بيدك".
تنتهی هذه الدراسة ولا نملك إلا أن نقول "تبارك الله أحسن الخالقين".