السوبرماتزم (Suprematism) حركة من حركات الفن التشكيلي أسسها في موسكو الفنان "كاسمير ماليفيتش" (878 ا-935 1) في العام 1913، واستمرت موجتها حتى عشرينيات القرن العشرين، ولكنها لم تختف قبل أن تضع أساس كل فنون التجريد الهندسية اللاحقة التي تدين لها بالكثير.
دافعت هذه الحركة عن فن تجريدي خالص أساسه عناصر الدائرة والمستطيل والمثلث البسيطة. وكان أول نتاج لها لوحة تمثل مربعا أسود كاملا على أرضية بيضاء. وانضم إليها عدد من الفنانين من أمثال رودشنكو ورزاندوف وليسلكي.
منابع هذه الحركة متعددة، فقد تمثل مؤسسها الفن الطليعي الذي كان شائعا في أوروبا الغربية آنذاك في العقد الذي سبق الحرب أصفر.. برتقالي.. أخضر/ كاسمير ماليفتشالعالمية الأولى وأبرز قياداته: الانطباعية و التعكيبية، والمستقبلية. وأطلق بيانه الأول خلال آخر معرض للمستقبليين في بتروغراد في ديسمبر من العام 1915 تحت عنوان: "من التكعيبية إلى السوبرماتزم في الفن: نحو واقعية جديدة وإبداع خالص.. وتمت إعادة نشر هذا البيان بعد توسيعه في العام 1916. والترجمة الراهنة مأخوذة عن كتاب "مقالات ماليفتش في الفن، إعدادت أندرسون، كوبنهاجن، 1969.
لن نشهد عملا فنيا خالصا وحيا، إلا مع اختفاء عادة من عادات الفكر التي ترى في اللوحة زوايا الطبيعة الصغيرة مثل صور العذراء وتماثيل فينوس العادية.
لقد حولت نفسي إلى الشكل صفر، وسحبت نفسي من بركة الفن المدرسي المكتظة بالقمامة.
لقد دمرت حلقة الأفق وهربت من دائرة الأشياء، من الأفق الدائري الذي يقيد الفنان ويقيد أشكال الطبيعة.
هذه الحلقة اللعينة التي تتفتح عن إمكانيات جديدة مرة بعد مرة، فتأخذ الفنان بعيدا عن هدف التهديم.
الوعي الجبان فقط، والقوى الإبداعية الضئيلة لدى فنان هما اللذان ينخدعان بهذا التحايل، ويؤسسان فنهما على أشكال الطبيعة، واثقين من فقدان الأسس التي أقام عليها المتوحش والمدرسي فنهما. الفنانون الأغبياء والعاجزون فقط هم الذين يقومون بعملهم بإخلاص. في الفن هناك حاجة إلى الحقيقة لا الإخلاص.
تتلاشى الأشياء مثل دخان. ولاكتساب الثقافة الفنية الجديدة يقارب الفن الإبداع بوصفة غاية بحد ذاته وسطوة على أشكال الطبيعة.
فن المتوحش ومبادئه
المتوحش هو أول من أوجد مبدأ النزعة الطبيعية (مطابقة الطبيعة)، حين رسم اعتمادا على نقطة وخمسة أعواد صغيرة. لقد حاول إعادة إبداع صورته هو.
وأرست هذه المحاولة الأولى قاعدة المحاكاة الواعية لأشكال الطبيعة. ومن هنا ظهر هدف مقاربة سطح الطبيعة قدر المستطاع واتجهت كل جهود الفنانين نحو تمثيل أشكالها الإبداعية.
الفن الجماعي، أو فن النسخ، يمتلك أصله في السير إثر صورة المتوحش البدائية، الأولى. إنه فن جماعي لأن الإنسان الحقيقي ذا المنظومة السامية من المشاعر والحالات النفسية، والتشريح الجسدي لم يكن قد تم اكتشافه بعد.
لم ير المتوحش لا صورته الخارجية ولا وضعيته الداخلية. إن وعيه لا يستطيع إلا مشاهدة هيئة إنسان أو حيوان.. إلخ. ومع تطور وعيه نما المخطط الذي صور به الطبيعة وأصبح اكثر تعقيدا. فكلما احتضن وعيه الطبيعة اكثر، كلما تعقد عمله وازدادت معرفته و قدرته.
ولم يتطور وعيه إلا في جانب واحد، جانب إبداع الطبيعة، لا في جانب أشكال فن جديدة ولهذا لا يمكن أن تعتبر صوره البدائية عملا خلاقا.
إن التشويهات في صوره (الانحراف عن مطابقة الطبيعة) ليست سوى نتاج ضعف في الجانب التقني.
التقنية شأنها الوعي، لم تكن إلا على طريق تطورها. ولهذا لا يجب أن تعتبر لوحاته فنا.
لقد أشار مجرد إشارة نحو الطريق إلى الفن استتبع هذا أن المخطط الأصلي كان إطارا وضعت فيه الأجيال المتعاقبة مكتشفات جديدة للطبيعة مرة بعد مرة.
وتنامي المخطط نموا أشد تعقيدا وازدهر في العالم القديم وفق عصر النهضة.
وصور أساتذة هذين العالمين الإنسان في شكله الكامل، داخليا وخارجيا. لقد تم تجميع الإنسان والتعبير عن دواخله ولكن هؤلاء الأساتذة رغم قدراتهم الفائقة، لم يكملوا فكرة المتوحش انعكاس الطبيعة على قماش اللوحة كما لو أنها منعكسة في مرآة ومن الخطأ الاعتقاد بأن عصرهم كان اكثر عصور الفن ازدهارا، وأن الجيل الشاب يجب أن يسعى نحو هذا المثال بأي ثمن، مثل هذا المفهوم زائف، إنه يحرف القوى الشابة عن تيار الحياة الحديثة، وبهذا يربكهم. تطير أجسادهم في الطائرات، ولكن الفن والحياة تغطيهما أردية قديمة، تعود إلى العصور اليونانية والرومانية.
ولهذا هم لا يستطيعون رؤية الجمال الجديد لحياتنا الحديثة، لأنهم يحيون بجمال عصور الماضي.
ولهذا يبدو الواقعيون والانطباعيين والتعكيبيون والمستقبليون والسوبرماتيون غير مفهومين، فهم طرحوا عنهم أردية الماضي، وخرجوا إلى الحياة الحديثة للعثور على جمال جديد لا وأنا أقول:
إن أي غرفة تعذيب من غرف لأكاديميات لن تستطيع الصمود أمام تيار الزمن تتحرك الأشكال وتولد، ونتوصل إلى اكتشافات جديدة مرة بعد مرة. وما اكشفه لكم لا يخفى.
ومن العبث إكراه عصرنا وإدخاله في أشكال الزمن الماضي القديمة.
في نسخنا أو تتبعنا لعلائم أشكال طبيعة تجدنا نغذي وعينا بفهم زائف للفن.
لقد اعتبر عمل البدائيين عملا خلاقا والكلاسيكيات إبداع أيضا.
ولكن نقل الأشياء الواقعية إلى قماش اللوحات هو فن توليد ماهر لا أكثر.
وما بين فن الإبداع وفن النسخ فارق عظيم لا يستطيع الفنان أن يكون مبدعا إلا حين لا يكون ما شيء مشترك بين الأشكال في لوحته وبين الأشكال الطبيعية، لأن الفن هو قدرة على الإنشاء ليس على أساس العلاقة المتبادلة بين الأشكال والألوان، وليس على أسااس قاعدة جمالية، في التكوين، بل على أساس الثقل والسرعة واتجاه الحركة يجب أن تمنح الأشكال الحياة وحق
الوجود المستقل. إن أي فنان ملزم بأن يكون مبدعا حرا ليس سجينا حرا.
وكل فنان ما أعطي موهبة ليمنح الحياة حصته من الإبداع وأن يزيد من تدفق الحياة. في الإبداع وحده يكتسب المبدع حقه وهذا ممكن حين نحرر فننا من مادة الموضوع المبتذلة، ونعقم وعينا أن يرى كل شيء في الطبيعة، ليس كأشكال وأشياء واقعية، بل ككتل ملموسة يجب أن تصنع منها الأشكال التي لا يجمعها بالطبيعة جامع، وهكذا ستختفي عادة رؤية صور العذراء، وصور فينوس مع كيوبيد سمين وعابث.
اللون والنسيج في الرسم غايتان بحد ذاتهما، إنهما جوهر الرسم ولكن هذا الجوهر يدمره الموضوع دائما ولو اكتشف كبار فناني النهضة سطح لوحة، لكان هذا أعظم واكبر قيمة من أية صورة للعذراء أو جيوكندا. وان نحت أي شكل سداسي أو خماسي سيكون عملا نحتيا أعظم من تمثال فينوس دي ميلو أو تمثال داود.
الواقعيون الأكاديميون هم آخر المتحررين من صلب المتوحش إنهم من يتجولون مرتدين ثياب الماضي الرثة، بعضهم مثلما حدث سابقا، ألقى عنه هذا الرداء الدبق.
وصنعوا وجه تاجر الأسمال البالية الأكاديمي بإعلانهم الحركة المستقبلية. لقد بدءوا حركة تحرير جبارة بالدق على الوعي مثل مسامير في حائط صخري لانتشالكم من أقبية الموتى إلى سرعة زمننا.
إنا على يقين من أن كل من لم يسر في طريق المستقبلية كتعبير عن الحياة الحديثة محكوم عليه بالزحف إلى الأبد بين القيود العتيقة والتغذي على قشور الماضي.
جمال السرعة هو "الجديد" الذي فتحته المستقبلية في الحياة الحديثة وبالسرعة نتحرك حركة اكثر رشاقة ونحن الذين لم نكن سوى مستقبليين بالأمس وصلنا بوساطة السرعة إلى أشكال جديدة وعلاقات جديدة مع الطبيعة والأشياء. وصلنا إلى السوبرماتية تاركين المستقبلية منفذا سيعبر منه أولئك الذين تخلفوا.
هجرنا المستقبلية، ونحن الأكثر جرأة، بصقنا على محراب فنها.
ولكن هل يستطيع الجبناء البصق على أصنامهم! مثلما فعلنا بالأمس!.
أقول لكم إنكم لن تروا الجمال الجديد والحقيقة حتى تصمموا على أن تبصقوا.
لم نرفض المستقبلية لأنها ضعفت. واقتربت نهايتها.. لا.. جمال السرعة الذي اكتشفته خالد، وسيظل الجديد يتكشف للكثيرين، ونحن نجري خلال سرعة المستقبلية نحو هدفنا، يتحرك الفكر بسرعة اكبر، ومن يجد نفسه في المستقبلية يكون أقرب إلى هذا الهدف وأبعد عن الماضي. افتقادكم إلى الفهم طبيعي تماما. فكيف لإنسان يركب عربة يجرها حصان واحد أن يفهم تجارب وانطباعات شخص يسافر في قطار سريع أو يطير في الفضاء؟
الأكاديمية مدفن متعفن يجلد فيها الفن نفسه. حروب كبرى واختراعات عظيمة، وفتح الفضاء وسرعة السفر والهواتف والبرقيات، والمدرعات، وعالم الكهرباء. ولكن فنانينا الشباب يرسمون تماثيل نيرون ومحاربين رومان نصف عراة.
كل المجد للمستقبليين الذين حظروا رسم الأفخاذ الأنثوية وصور الشخصيات والقيثارات في ضوء القمر.
لقد اتخذوا خطوة هائلة إلى الأمام، وتخلصوا من اللحم، ومجدوا الآلة. ولكن اللحم والآلة هما عضلتا الحياة. كلاهما جسم تتحرك فيه الحياة.
حتى الآن ما يلاحقه الفنان دائما هو الموضوع- الشيء ولهذا فإن المستقبلية الجديدة تلاحق الآلة بسرعتها الحالية كلا الأمرين نوع من الفن القديم والجديد. المستقبلية