اسمه و مولده وكنيته
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد الله بن ابن يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكّي يلتقي في نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف بن قصي[بحاجة لمصدر]. ولد في سنة مائة وخمسين وهي السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة. وُلِد بغزّة، وقيل بعسقلان, ثم أُخِذ إلى مكة وهو ابن سنتين.
سيرته
نشأ يتيمًا في حجر أمّه في قلّة من العيش، وضيق حال، وكان في صباه يجالس العلماء، ويكتب ما يفيده في العظام ونحوها، حتى ملأ منها خبايا، وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم اتّجه نحو تعلّم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد الذي كان مفتي مكة.
ثم رحل الشافعي من مكّة إلى المدينة قاصدًا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، ولمّا قدم عليه قرأ عليه الموطّأ حفظًا، فأعجبته قراءته ولازمه، وكان للشافعيّ رحمه الله حين أتى مالكًا ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن.
واشتهر من حسن سيرته، وحمله الناس على السنة، والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة. ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم، ورحل إلى العراق وناظر محمد بن الحسن وغيرَه؛ ونشر علم الحديث ومذهب أهله، ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتابًا في أصول الفقه فصنّف كتاب الرسالة، وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه، وكان عبد الرحمن ويحيى بن سعيد القطّان يعجبان به، وقيل أنّ القطّان وأحمد بن حنبل كانا يدعوان للشافعيّ في صلاتهما.
وصنف في العراق كتابه القديم ويسمى كتاب الحجة، ويرويه عنه أربعة من جلّ أصحابه، وهم أحمد بن حنبل، أبو ثور، الزعفراني والكرابيسي.
ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة -وقيل سنة مائتين- وحينما خرج من العراق قاصدا مصر قالو له اتذهب مصر وتتركنا فقال لهم [هناك الممات ]-وحينما دخل مصر و أشتغل في طلب العلم وتدريسه ، فوجىء بكتاب أسمه الكشكول لعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما وقرأ فيه العديد من الأحاديث النبوية التى رواها عبد الله و دونها و بناءا عليه غير الشافعى الكثير من أحكامه الفقهية و فتاواه لما أكتشفه في هذا الكتاب من أحكام قطعت الشك باليقين أو غيرت وجهة أحكامه ، حتى انه حينما يسأل شخص عن حكم أو فتوى للإمام الشافعى يقال له هل تسأل عن الشافعى القديم (أي مذهبه حينما كان في العراق أم مذهب الشافعى الحديث) أي الذى كان بمصر، كماصنّف كتبه الجديدة كلها بمصر، وسار ذكره في البلدان، وقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي لأخذ العلم عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه. وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتبًا لم يسبق إليها منها أصول الفقه، ومنها كتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي وغيرها.
من قصائده
أأنثر درا بين سارحة البهموأنظم منثوراً لراعية الغنملعمري لئن ضيعـت في شر بلدةٍفلست مضيعاً فيهـم غـرر الكلـملئن سـهل الله العزيز بلطفهوصادفـت أهــلاً للعلوم وللحكمبثثت مفيداً واستـفدت ودادهموإلا فمكنون لدى ومكتـتـمومـن منح الجهال علما أضاعهومـن منع المستوجبين فقد ظلموله أيضا:
اذا المرء لا يرعاك الا تكلفافدعه ولا تكثر عليه التأسفاففي الناس أبدال وفي الترك راحةوفي القلب صبر للحبيب ولو جفافما كل من تهواه يهواك قلبهولا كل من صافيته لك قد صفاإذا لم يكن صفو الوداد طبيعةفلا خير في ود يجئ تكلفاولا خير في خل يخون خليلهويلقاه من بعد المودة بالجفاوينكر عيشا قد تقادم عهدهويظهر سراً قد كان بالأمس قد خفاسلام على الدنيا إذا لم يكن بهاصديق صدوق صادق الوعد منصفاوله أيضاً :
نعيب زماننا والعيب فيناوما لزماننا عيب سواناونهجو ذا الزمان بغير ذنبولو نطق الزمان لهجانـاوليس الذئب يأكل لحم ذئبويأكل بعضنا بعضآً عياناكما أن له في ذكر ال بيت رسول الله:
يا ال بيت رسول الله حبكمفرض من الله في القران أنزلهيكفيكم من عظيم الشأن أنكممن لم يصلي عليكم لا صلاة له
جمعه لشتى العلوم
حدث الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح ، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيه ومعانيه ، فإذا إرتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا إرتفع الضحى تفرقوا ، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب إنتصاف النهار ، ثم ينصرف ، رضي الله عنه. وحدث محمد بن عبدالحكم قال: ما رأيت مثل الشافعي ، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث ، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له ، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه. وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى. قال مصعب بن عبدالله الزبيري: "ما رايت أعلم بأيام الناس من الشافعي". وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو ابن ثمان عشرة سنة: "أفت أبا عبدالله فقد آن لك أن تفتي". وقال الحميدي: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.
تواضعه وورعه وعبادته
كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق ، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس . قال الحسن بن عبدالعزيز الجروي المصري: قال الشافعي: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ ، وما في قلبي من علم ، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي. قال حرملة بن يحيى:قال الشافعي: كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه ، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق. قال الشافعي رضي الله عنه: والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة. وقال أيضا: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته و إعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني. وقال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف. وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره استاذا كان أو تلميذا ، أو جار ،أو صديقا. قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة. وقال أيضا: قال الشافعي : والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة. وقال : أيضا : كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب ، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.
فصاحته وشعره وشهادة العلماء له
لقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة و إطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو. قال أبو عبيد: كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة . وقال أيوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة. قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن أدريس. قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا. وقال أحمد بن حنبل: ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة. حدث أبو نعيم الاستراباذي، سمعت الربيع يقول : لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته -التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة- لم يقدر على قراءة كتبة لفصاحته وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام.
سخاؤه
أما سخاؤه رحمه الله فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره ، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه. وحدث محمد بن عبدالله المصري، قال :كان الشافعي أسخى الناس بما يجد. قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي :ألإلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى خلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط. قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمارّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.
وفاته
تُوفّي بمصر سنة أربع ومائتين وهو ابن أربع وخمسين سنة، قال تلميذه الربيع: توفّي الشافعي رحمه الله ليلة الجمعة بعد المغرب وأنا عنده، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، وقبره بمصر وبنى على قبره القبّة القائد صلاح الدين الأيوبي.