عباد الله :
فإن تقوى الله جل وعلا أعظم الوصايا وأجل العطايا { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }.
عباد الله:
لقد اقترن شهر رمضان بحدثين كريمين مباركين وقعا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم هما يوم بدر يوم الفرقان ويوم فتح مكة يوم علو الشأن .
أيها المؤمنون :
تجلت في هاتين المعركتين أو في هذين الحدثين الجليلين معاني عظيمة ودلائل سامية وعظات بالغة لمن أقلى السمع وهو شهيد .
عباد الله :
لعل من أعظم ذلك وأجله يقين المؤمن بعد أن يتدارس السنة والسيرة العطرة والأيام النضرة وهذين الحدثين على وجه الخصوص أن يعلم أن الأمور إنما تدبر في الملكوت الأعلى وأن الله جل وعلا وحده الفعال لما يريد لا يقع في الكون إلا ما أراده الله خفي ذلك عن البعض أو ظهر ذلك أمر الله جل وعلا وحده ذكر الله جل وعلا مسيرة الركب أي قافلة أبا سفيان وذكر الرب تبارك وتعالى خروج خير الخلق صلى الله عليه وسلم وأصحابه وذكر تبارك وتعالى خروج قريش تستنصر لقافلتها كل ذلك كان بلا أي روية منهم جميعا كل منهم كان يحسب أمرا ووقع آخر قال الله جل وعلا:{ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } خرج صلى الله عليه وسلم يوم بدر إنما في الأصل يطلب العير وخرجت قريش تنتصر لقافلتها ونجى أبو سفيان بالقافلة لكن الله جل وعلا أخر وقدم في إخبار كل أحد بما وقع حتى يلتقي الفريقان ويلتحم الجيشان ثم يكون يوم الفرقان كما أراد ربنا تبارك وتعالى نصرة لنبيه وإظهارا لدينه وإعلاء لشأن كلمة التوحيد التي بعث الله بها الرسل وأنزل الله جل وعلا من أجلها الكتب .
أيها المؤمنون :
تجلى في هذين الحدثين العظيمين إكرام الله لرسوله صلى الله عليه وسلم إن الصبر مطية وأي مطية أعطاها الله جل وعلا أنبياءه ورسله ولهذا قال الله مخاطبا خير خلقه { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ }سجد نبيكم صلى الله عليه وسلم أيام البعثة الأولى عند الكعبة ثم انتدبت قريش رجلا منها يضع على ظهره الشريف وهو أكرم الخلق على الله سلا الجزور فمكث سلا الجزور على ظهره الشريف ما شاء الله له أن يمكث وعبدالله بن مسعود مسلم حاضر لا يستطيع أن ينتصر لنبيه بعث رجل أحدا ورسولا إلى فاطمة ابنته جاءت فاطمة حملت سلا الجزور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر صلى الله عليه وسلم إلى أولئك الذين أتمروا عليه وتهكموا به فدعا عليهم وهو عند الله نبي وأي نبي وكريم وأي كريم قال ابن مسعود وقد شهد الواقعة الأولى فلقد رأيت من دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى يوم بدر في القليب قليب بدر فانظر أيها المؤمن ما هي إلا سنوات ثم انتقم رب الأرض والسماوات لخير من ختم الله به الرسل وأتم الله به النبوات ، في أيام البعثة الأولى هم صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة فمنعه عثمان بن أبي طلحة سادن الكعبة يومئذ منعه من دخول البيت فقال صلى الله عليه وسلم يا عثمان كيف بك إذا كان المفتاح بيدي أضعه في يد من أشاء فقال عثمان لقد ذلت قريش يومئذ وهانت ثم مضت السنون ومرت الأعوام والله جل وعلا يحفظ نبيه وينصره ويكلؤه حتى دخل صلى الله عليه وسلم الكعبة يوم الفتح عزيزا وما كان ذليلا قط منيعا محفوظا بحفظ الله جل وعلا له،كبر في نواحيها صلى في البيت ركعتين ولما هم بالخروج أنزل الله جل وعلا عليه وهو عليه السلام عند عضدتي باب الكعبة { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فقال صلى الله عليه وسلم بعدما خرج أين عثمان بن طلحة؟ قال أنا هنا يا رسول الله فأعطاه النبي مفتاح الكعبة كما أخبر به في الأول وقال خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم فهي إلى اليوم فيهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد صدق الله وهو أصدق القائلين:
{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} وصدق الله وهو أصدق القائلين{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
أبعد هذا يتوكل على غير الله؟ أبعد هذا يلجأ إلى غير الله؟أبعد هذا يؤمن أحدا أن ينصره أحد غير الله؟ قال العز بن عبد السلام رحمة الله تعالى عليه:"والله لن يصلوا إلى شيء بغير الله فكيف يوصل إلى الله بغير الله"اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته.
عباد الله :
تجلى في هاتين المعركتين العظيمتين محبة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لنبيهم صلوات الله وسلامه عليه آمنوا بأن الله واحد لا شريك معه وهو الذي بعثه.فأحبوا نبيهم ونصروه وعزروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أناجيلهم في صدورهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
الله يعلم ما قلبت سيرتهم***يوما وأخطأ دع العين مجراه
في تلك الغزوة وفي غيرها من كل محفل وموطن أثبتوا محبتهم ونصرتهم لرسول الله تجلى ذلك فيهم أفرادا وجماعات فعلى مستوى الجماعة هو ظاهر في كل غزوة وموطن وسرية وعلى مستوى الأفراد في يوم بدر وقف صلى الله عليه وسلم يُقَوِم صفوف الجيش قبل المعركة فإذا بسوّاد بن غزية رضي الله عنه وأرضاه بارز في الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم بقدح كان معه في بطنه وقال له استوي يا سوّاد أي ارجع إلى الصف قال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالعدل والحق فأقدني فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال له استقد أي خذ حقك فأقبل سواد على بطن رسول الله يعانقه ويقبله فتعجب صلى الله عليه وسلم قال:"ما حملك على هذا يا سوّاد قال يا رسول الله قد حضر ما ترى أي من قرب الموت ودنو الأجل فهذه ساحة معارك قد حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك إنه أنموذج لتلك المحبة التي كانت في قلوبهم رضي الله عنهم وأرضاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد تجلت في الأنصار على وجه الخصوص الذين قال الله جل وعلا عنهم{ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } كان الصديق رضي الله عنه إذا ذكر الأنصاروموقفهم ومناقبهم يقول لا أجد بيننا وبين هذا الحي من الأنصار إلا كما قال الأول: