هي إلغاء تدخل الإِنسان إِلغاءً كلياً أو جزئياً في تنفيذ مهمات صناعية أو منزلية أو إِدراية أو عملية، ولقد استعملت كلمة الأتمتة منذ منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين للتعبير عن جميع العمليات التي استطاع الإِنسان تسخير آلات ميكانيكية للقيام بها بدلاً عنه. واتسع استعمالها حتى غدت تعبر عن جميع عمليات الإِنتاج التي يتطلب إِنجازها استعمال نظريات وطرائق تحكمية متطورة بلا تدخل الإِنسان تدخلاً مباشراً كما في مجالات الهندسة الكيميائية والبتروكيمياوية والطبية وغيرها.
لأتمتة والمجتمع
تؤدي الأتمتة، كما هي الحال في أي تطور رئيسي في التقنية إلى تبدلات اقتصادية واجتماعية مهمة. وقد يكون بعض هذه التبدلات مقبولاً وقد يكون بعضها الآخر غير مرغوب فيه.
تؤدي الأتمتة إلى رفع إِنتاجية اليد العاملة في المصانع، نتيجة إِحلال المناولة الآلية محل المناولة الإِنسانية، إِذ تخفض مدة الدورة التصنيعية لحذفها وقتاً كثيراً غير إنتاجي في العملية التصنيعية، كان يصرف من قبل في عملية المناولة، وتخفض تعب الإِنسان في الرفع والمناولة أو تحذفه كلياً وتخفض الوقت الضائع من عمل العامل والآلة إلى أدنى حد ممكن لإلغائها التوقفات والتسليمات غير الميكانيكية. ويمكن أن تحرر الأتمتة الصناعة من الاعتماد على المناطق التي تتوافر فيها اليد العاملة بأعداد كبيرة، وتتيح بناء مصانع صغيرة، أكثر لا مركزية، تكون على العموم أقرب إلى الأسواق والمواد الأولية.
المبادىء العامة للأتمتة
تتطلب أتمتة أي عملية إنتاجية مراعاة عدة عوامل إضافة إلى النمذجة والمحاكاة. فبعد تحديد المنظومة المطلوبة أتمتتها لإِنجاز العملية الإِنتاجية بدقة يحدد الخرج ouput المطلوب وتحدد وسيلة قياس هذا الخرج (عناصر التحسس senors). ويجب توفير وسائل لتقرير توافق هذا الخرج المقيس مع ما هو مطلوب (وحدة قرار) ثم توفير آلية لتبديل بنية النظام لتغيير قيمة هذا الخرج (وحدة تحكم) للوصول إلى القيمة المطلوبة للخرج عبر وحدات قيادة ما، مثل المحركات أو الصمامات وغيرها. وهذا يؤدي إلى تمثيل كل منظومة مؤتمتة بمنظومة تحكم ذات دارة مغلقة.
تطبيقات الأتمتة في الصناعة
شهد العالم في السنوات الأخيرة دخول الأتمتة معظم مجالات الإِنتاج الصناعي والإِدارة. وفيما يلي بعض هذه التطبيقات:
الأتمتة في صناعة السيارات: تطورت صناعة السيارات تطوراً مهماً وانعكاس ذلك على تعقيد السيارات المنتجة وغلاء أسعارها. ونتيجة لطبيعة العمل التكرارية في هذه الصناعة لجأت بعض الشركات إلى أتمتة معامل إنتاجها باستخدام وحدات نقل مؤتمتة و«روبوتات» (إِنسان آلي) ذكية تقاد بوساطة حواسيب متقدمة ومزودة بعدد من عناصر التحسس المختلفة للتأكد من صحة العمل المطلوب ودقته. وتبرمج حركة هذه «الروبوتات» بقيادتها يدوياً مرة واحدة عبر مسار محدد، ويختزن الحاسوب في ذاكرته المواقع النسبية لجميع مكونات «الروبوت» ويجبر الحاسوب «الروبوت» على تكرار هذه الحركات في عمليات الإِنتاج بتنفيذ البرنامج الذي اختُزن.
يتألف خط الإِنتاج المؤتمت من محطات كثيرة قد يصل عددها إِلى المئات ويمر فيها سير نفّال، وهذه المحطات هي «روبوتات» تقوم بوظائف مختلفة، منها ما هو مسؤول عن ترتيب القطع المراد تجميعها ويكون مزوداً بكاميرات تلفزيونية تمكنه من تعرّف القطع ووصفها وصفاً صحيحاً مستخدماً خوارزميات برمجية معقدة، ومنها ما يناط به مهمة لحم القطع نقطياً ومن ثم اختبار جودة هذا اللحم باستخدام تقنيات ليزرية وغيرها، ومنها ما هو مسؤول عن دهن السيارة باستخدام نافثات الدهان المؤتمتة (جزء من الروبوت)، ومنها ما يكون مسؤولاً عن شد اللوالب الرابطة شداً دقيقاً. ويكون دور الإِنسان التأكد من صحة العمل في نهاية خط الإِنتاج. ويقوم الحاسوب أو مجموعة الحواسيب بالإِشارة إلى أي خطأ يرتكب في الإِنجاز بإِعطاء إِشارات مناسبة أو كتابة رسالة على ورق الطابعة الملحقة.
الأتمتة في توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها: لقد ازداد عدد محطات التوليد الكهربائية في معظم البلدان. واختلفت كثيراً في أنواعها.
وازدادت المسألة تعقيد أمام الحاجة إلى ربط مولدات الطاقة جميعها على اختلاف صخامتها وأنواعها (مائية، بخارية، نووية) في شبكة واحدة وتوفير التزامن اللازم بينها لضماتن نقل الطاقة وتوزيعها توزيعاً جيداً. ولهذا كان إيجاد منظومات مؤتمتة تضمن توليد الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها من دون انقطاع أمراً ملحاً. ويعد بدء الإقلاع في مولدات الطاقة الكهربائية العالية الاستطاعة (ميغاواط)، ومدد توقف هذه المولدات، مراحل حرجة يجب أن يراقب فيها أداء كل مولد على حدة مراقبة جيدة من حيث السرعة والتردد والتحريض والتوتر وفرق الطور، إِذ يجب أن يتم وصل المولد مع شبكة التوزيع الكهربائية أو فصله عنها بدقة عالية من التوافق والتزامن لتكون الطاقة الكهربائية المولدة متفقة في الطور مع التي في الشبكة وإلا فسيجهد المولد والشبكة. ويتطلب تحقيق هذا التوافق في الطور مراقبة عدد كبير من المتغيرات في أثناء زمني الإِقلاع والتوقف مراقبةً يعجز الإِنسان عن القيام بها يدوياً وتصبح الأتمتة أمراً ضرورياً. فمثلاً يبلغ عدد المتغيرات التي يراقبها تحكم مؤقت في محطة كهربائية ذات عنفة بخارية باستطاعة 300 ميغاواط 600 متغير (دخل) مثل درجات الحرارة والضغط وسرعة الدوران وأوضاع المفاتيح وغيرها. وفي محطة توليد نووية يتضاعف عدد هذه المتغيرات لتصبح الحاجة إلى نظام مؤتمت متكامل ومحوسب، يؤلف باستخدام برنامج مناسب منظومة خبيرة expert system، ضرورة لاغنى عنها. وتتم مراقبة جميع العمليات المؤتمتة من مركز التحكم الرئيسي الموجود في كل محطة. ودور الأتمتة في توليد الطاقة الكهربائية ونقلها أساسي نتيجة لتعدد محطات التوليد وتنوعها وتباعدها في البلد الواحد وبين عدة دول مرتبطة بشبكات من خطوط التوتر العالي جداً. ولهذا تعتمد جميع الدول على مراكز تنسيق وترحيل dispactching centers محوسبة وموزعة في مواقع محددة تحقق ما يلي:
ـ السيطرة على توزّع الأحمال load flow من الناحية الاقتصادية والفنية بالاعتماد على تشغيل المحطات الأقل كلفة.
ـ ضمان الاستقرار الديناميّ في حال حدوث عطل في أحد الخطوط أو إِحدى المحطات.
ـ تنظيم التوتر على قضبان التجمع bass bar في محطات التوليد ومراكز الاستهلاك عن طريق التحكم في نسب تحويل المحولات وتوليد الاستطاعة الردّية reactive power.
الأتمتة في الصناعات الكيمياوية: تتطلب معظم الصناعات الكيمياوية دقة في المعايرة والقياس. وأي خطأ يرتكب في المعالجة يكون مكلفاً جداً. ويتطلب بعضها أيضاً شروطاً محيطية (من حرارة أو وسائط تفاعل أو مواد وسيطة خطرة أو غيرها) تجعل وجود الإِنسان في مكان التفاعل أمراً فيه خطر كبير على سلامته. ولهذا كان من الضروري أتمته معظم الصناعات الكيمياوية باستخدام «روبوتات» وحواسيب وأجهزة مناولة مختلفة، كما في صناعة الأسمدة وصناعة المتفجرات والصناعات البتروكيمياوية.
وتتألف أي منظومة بتروكيمياوية متقدمة من عدة وحدات للمعالجة بغية إنتاج أكثر من 20 نوعاً من المنتجات البتروكيمياوية. وتقسم هذه الوحدات إلى مجموعات تخصصية يُسيّر كلاً منها حاسوب يراقب سويات الإِنذار وتوصيفها لأكثر من 2000 متغير من محددات الإِنتاج مثل التدفق والضغط ودرجة الحرارة والكثافة ومستوى السائل والتركيب الكيمياوي وغيرها ويتحكم فيها. ويتم ذلك دورياً وفي أزمان قصيرة نسبياً (بضع ثوان). ويبين الشكل 3 مخططاً صندوقياً يظهر منظومة بتروكيمياوية نموذجية. ويشرف على عمل جميع هذه الحواسيب المتخصصة ومراقبتها حاسوب مركزي تكون الغاية منه جعل إِنتاجية كل وحدة كيمياوية أعظمية كماً ونوعاً، ويستطيع إصدار الأوامر إلى جميع الحواسيب المتخصصة لتغيير مواصفات المنظومة لمواجهة أي حالة طارئة بإِصدار إِشارات الإِنذار لعناصر المراقبة والتنسيق.
الأتمتة في الطيران والفضاء: إن ما يشاهد الآن من تطور كبير في الطيران وغزو الفضاء الخارجي هو نتيجة مباشرة لتطبيقات الأتمتة في تصميم المركبات الفضائية وعملها ووسائل الاتصال بها من مراكز الاتصال والمراقبة إلى محطات الإِقلاع والهبوط. فالتحكم في طائرة بسيطة يتطلب عمليات معقدة من قياس ومراقبة وتغذية خلفيةٍ وغيرها. وقد يبلغ عدد هذه المتغيرات عدة آلاف في الصواريخ العابرة للقارات أو المحطات الفضائية، ويستحيل في هذه الحال تحقيق أي تحكم يدوي نظراً إلى متطلبات السرعة والدقة وضخامة العمليات الحسابية المطلوبة ولم يكن ممكناً برمجة مسار الطائرات أو قيادتها آلياً لولا تطور استخدام الحاسوب والأتمتة.
الأتمتة في مجالات أخرى: تستخدم الأتمتة أيضاً في إدارة الأعمال وصناعة الإِسمنت ومختلف الصناعات النسيجية والصناعات الإِلكترونية وفي شبكات المرور وفي القطارات وقطارات الأنفاق وفي غيرها.
محاذير الأتمتة
إن للأتمتة مساوئها أيضاً، فهي تتطلب استثماراً كبيراً في التجهيزات يستلزم مدة طويلة من الاستعمال المكثف لاسترداد الأموال المستثمرة. وباستثناء البرامج القابلة للاختيار، قد يكون هناك عدم مرونة في التصنيع، إِذ تجمد تصاميم الإِنتاج مدداً طويلة. وهذا النقص في المرونة في التصنيع قد يكون خطراً في صناعة يكون التغيير فيها سريعاً أو غير قابل للتنبؤ به. ولا تستطيع الإِدارة في أثناء ركود الأعمال أو في المدد الي ينخفض فيها حجم الإِنتاج، أن توقف خط إِنتاج مؤتمت وتستخدمه فوراً في عمل آخر. ويمكن أن يؤدي الأمر إلى خسارات مالية كبيرة. ويميل اعتماد بعض التجهيزات على بعضها الآخر اعتماداً متداخلاً إلى جعل المنظومة معتمدة على أضعف عنصر فيها، ويكون إخفاق التجهيزات إِخفاقاً تراكمياً، إِذ إِن إِخفاقاً واحداً يمكن أن يوقف خط الإِنتاج كله. وتميل تكاليف صيانة الأدوات وتبديلها إلى الارتفاع، لأن الأدوات كلها يجب أن تفكك في آن واحد لأغراض معينة في مدد منتظمة سواء أكانت هذه الأدوات بحاجة إلى ذلك أم لم تكن (صيانة وقائية).
والسيئة الكبرى التي تسببها عملية إِدخال الأتمتة بسرعة من الناحية الاجتماعية هي البطالة، إِذ إِن الأتمتة تحذف أعمالاً عدة وبالتالي يفقد عدد كبير من العمال أعمالهم السابقة. وإِلى أن تحدث أعمال جديدة لليد العاملة التي فقدت أعمالها السابقة وإِلى أن تطور هذه اليد العاملة مهارتها لتتوافق مع الأعمال الجديدة، يعاني العمال الذين فقدوا أعمالهم نتيجة إِدخال الأتمتة معاناة كبيرة. ولذلك لا ينصح بإِدخال الأتمتة إِلا تدريجياً وببطء، وعندما يوجد نقص في اليد العاملة اللازمة.