هو داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عوينادب بن إرم بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه وخليفته في أرض بيت المقدس. قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: كان داود عليه السلام قصيراً أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب، نقيه.
تقدم إنه لما قتل جالوت وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر، فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلي ملكه عليهم، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلي داود عليه السلام، وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خير الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر، فاجتمع في داود هذا. وهذا كما قال تعالى:
{وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين} (سورة البقرة:251)
أي: لولا إقامة الملوك حكاماً على الناس لأكل قوي الناس ضعيفهم؛ ولهذا جاء في بعض الآثار: "السلطان ظل الله في أرضه". وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن جالوت لما بارز طالوت فقال له: اخرج إلي وأخرج إليك، فندب طالوت الناس، فانتدب داود فقتل جالوت.
قال وهب بن منبه: فمال الناس إلي داود حتى لم يكن لطالوت ذكر، وخلعوا طالوت وولوا عليهم داود، وقيل: إن ذلك عن أمر شمويل، حتى قال بعضهم: إنه ولاه قبل الوقعة. قال ابن جرير: والذي عليه الجمهور إنه إنما ولي ذلك بعد قتل جالوت، والله أعلم، وروي ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز أن قتله جالوت كان عند قصر أم حكيم وأن النهر الذي كان هو المذكور في الآية. فالله أعلم.
وقال تعالى:
{ولقد ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد، واعملوا صالحاً، إني بما تعملون بصير} (سورة سبأ:10ـ11)
وقال تعالى:
{وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير، وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم، فهل أنتم شاكرون} (سورة الأنبياء:79ـ80)
أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلي صنعتها وكيفيتها: (وقدر في السرد) أي: لا تدق المسمار فيفلق ولا تغلظه فيفصم، قاله مجاهد وقتادة والحكم وعكرمة. قال الحسصن البصري وقتادة والأعمش: كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده لا يحتاج إلي نار ولا مطرقة، قال قتادة: فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح، قال ابن شوذب: كان يعمل كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم. وقد ثبت في الحديث: "أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده".
وقال تعالى:
{واذكر عبدنا داود ذا الأيد، إنه أواب * إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة، كل له أواب * وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} (سورة ص:17ـ20)
قال ابن عباس ومجاهد: الأيد: القوة في الطاعة. يعني ذا قوة في العبادة والعمل الصالح، قال قتادة: أعطى قوة في العبادة فقها في الإسلام، قال: وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر.
وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احب الصلاة إلي الله صلاة داود، وأحب الصيام إلي الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى"
{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق * والطير محشورة، كل له أواب} (سورة ص:18ـ19)
كما قال:
{يا جبال أوبي معه والطير} (سورة سبأ:10)
أي: سبحي معه.
قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد في تفسير هذه الآية: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) أي: عند آخر النهار وأوله، وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحداً، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشيا، صلوات الله وسلامه عليه.[/size]